الأربعاء، 24 ديسمبر 2008

حاتم الأنصارى .. المشاهد الأخيرة

وفقا للفلك " الرابع " من " الفراقد " تأتى هذه التدوينات

(1)


ليلا – منذ ثلاثة أشهر – أسفل مسكنى

- الرجل السعودى حدثنى ثانية
- أى رجل ؟
- ذلك الذى يطلب منى أن أعمل لديه فى الرياض
- نعم ، تذكرته ، هل قبلت ؟
- فى الحقيقة عرض على نصف المبلغ الذى أريد محصِّـلته بعد عامين لدراسة الماجستير فى كندا أو أمريكا .
- أفهم من ذلك أنك لم تقبل !
- قلت له سأرد عليك بعد يومين
- وسترد بالرفض !
- طبعا ، لا يمكننى تحت أى حال من الأحوال أن ..
- ( قاطعته ) ، لم لا تخبره عن طموحك هذا ؟
- بمعنى ؟
- قل له أنا أطمح لتحصيل ضعف المبلغ ، وأرسل له سيرتك كاملة ، عله يحمِّـلك من الأعمال – عنده – ما يضاعف به راتبك ، أو يجد لك عملا مصاحبا يصل بك إلى نفس الراتب جنبا إلى جنب مع عملك له .

---

ما أيسره من موقف لو كنت وافقته ، وسكت ، وفرحت بمقعده جوارى ولو بعض حين ، وما أقساه من موقف إذ أسلمه السكين وأقول : يا صاحبى افعل ما تطمح ، ستجدنى إن شاء الله من الصابرين ، على فراقك ، على وحدتى ، افعل ما يجب أن يفعله رجل مثلك .

(2)

عصرا – أمس – أسفل مسكنى

- أخيرا يا حاتم ، ستسافر الليلة ، منذ الثلاثاء الماضى وأنت على سفر ، ويقدر الله فى كل مرة أن تؤجله هذه الورقة أو ذلك التصريح ، واليوم ..
- ( بانقباض ) واليوم قدر الله ذات التقدير .
- ( باندهاش ) لا تقل ، ماذا حدث ، لم تحصل على تصريح العمل ؟
- ذهبت مبكرا ، وظننت أن ينتهى فى ساعة أو اثنتين
- قد حذرتك ، لم حجزت الطائرة الليلة وأنت على حرف ؟
- أخبرنى الموظف أن أطلبه " مستعجلا " لظروف السفر ، واعتمد الضابط ذلك ، وصار أمامى ثلاث ساعات على استلامه .
- إذن حدثت مشكلة فى مصاريف صدوره .
- حدثت ، حتى اضطررت إلى استبدال مائة ريال بمائة جنيه فقط ( ضحك ضحكة خفيفة ، ثم استمر متأثرا ) لكن الموظف أخرنى ثامية إلى الرابعة .
- أواه من هذا الروتين ، هو ثانى أكبر آفة فى تلك البلد بعد الـ ..
- نعم ، هو ذاك ، عطلتنى الآفة الثانية ، وأوقفتنى الأولى تماما !
- ( فى صدمة عنيفة ) الأمن !
- ( تابع فى هدوء ) أخيرا نادى الموظف : حاتم الأنصارى ، أوراقك لم تمر من الفرع الأمنى ، راجع اقرب فرع لأمن الدولة فى منطقتك ، قد يستغرق الأمر أسبوعا أو شهرا أو أبدا .
- ( ضحكت ضحكة قاسية ) الأمن ثانية ، يستأصل أحلامنا ، أفرادا وجماعات ، وما " أبجد " منا ببعيد !

وصلنا ساعتها إلى آخر شارع فى مدينة الزهراء الذى يشرف على صحراء ممتدة من مدينة نصر ، سرحت فى الصحراء وأخذت أتذكر ما حدث لأبجد ، وانطلق هو فى الحديث عن الخطط البديلة بشكل لا واعى ، بقاء فى مصر .. مستحيل ، هجرة غير شرعية .. من الممكن ، لا أولا أهاتف الرجل السعودى الآن ، وأشكره على تحمله لى كل هذه الفترة ، وأعتذر له ، أعرف أنه لو صدر لى التصريح بعد أسبوع لن يكون مجديا ، لكن كيف سأقضى بضعة أشهر أخرى فى هذا البلد ، هل نفتح ذلك المركز لتعليم اللغة العربية يا أحمد .. أحمد هل أنت معى ؟

- لا لست معك .. أنا مع أن تتجه إلى بيتك حالا ، ترتدى بذلتك الأنيقة السوداء ، تحزم حقيبتك ، تودع أهلك وتنطلق إلى المطار ، تعبر البوابة بكل هدوء ، قد تمر ، وقد تمنع فتهاتف السعودية وتخبر الرجل بأنك بذلت كل ما يبذل ، وتعود لتروى القصة لأهلك وأصدقائك ، عندها فقط يمكننا أن نتحدث عن المرحلة المقبلة ، وقبل ذلك لا تضع أيه سينارويهات .

استمع إلى طرحى بشىء من التعقل ، ولأن الموقف لا يحتمل الخسارة فوق ما وصل إليه ، ولأن الأمر كان أشبه بتمثيلية " بيضاء " ، حبكت كل عناصرها ، فقد وافق بالفعل ، وانطلق إلى بيته يحضر حقيبته التى سيتركها عندى لأن ليس لها دورا مهما فى " التمثيلية " ، فإن احتاج لها ألحقها به ، وانطلقت أنا إلى البيت أنتظر مكالمته .

وفى أقل من ساعة تم إعداد كل شىء ، وبعد 4 دقائق من رنة واحدة على هاتفى وصلت لأول شارعه ، قابلته مبتسما ، رأيته مرتسما ، ببذلته السوداء ، وقميص ناصع أبيض ، ربطة عنق فيها اللونين معا ، لمعة عينيه من خلف النظارة ذات الإطار الأسود الدقيق ، وبسمة شبه حائرة ، سلمت عليه بمقدار ما يسلم الرجل على مفارقه لسويعات ، كانت الشمس قد أخذت فى المغيب ، تسلمت منه الحقيبة وحثثته على الانصراف كيف لا يتأخر ، انطلق مسرعا لا يحمل فى يده إلى حقيبة الحاسب الشخصى وبها أوراقه كاملة ، وانطلقت أنا للبيت .

(3)

الأحد 24/5/2009 – 08:30 مساء
أى بعد أن فارقنى بساعة ونصف الساعة ، أسمع صوته على الهاتف : أحمد ، فى الحقيقة أنا عديت .. آه فعلا عديت الحمد لله ..
- ( فى فرحة عارمة ) هل تحلم ، أقصد هل أحلم ، قل لى بالفعل أنت هناك؟ ، أنت حر الآن ، لن تشرق عليك شمس مصر غدا ؟
- بالفعل ، أنا أحاول أن أستوعب الأمر حتى الآن ، صحيح ، سأحاول أيضا أن أسأل كيف يمكن أن تصل إلى الحقيبة .. أمامى بعض الوقت ، سأنطلق فى تمام الثانية عشرة .
- حسنا سأتابعك سأتصل بك بعد قليل لأعرف الأخبار ، مرحا يا صاحبى مرحا .

انتهت المكالمة ، وما إن أغلقت هاتفى حتى زالت عنى نشوة المفاجئة ، وانقشعت سحابتها عن أمر مؤلم ، غاية الإيلام ، لقد سافر ، سافر بالفعل ، من غير أن أودعه ، من غير أن أضمه ضمة تبقينى شهورا أو أعواما على قيد الحياة ، لم يكن الأمر برمته إلا تمثيلية ، وها هى قد تحولت إلى واقع ، فرح لأنه سافر ، لأن الله اختارنى كى أكون سببا لذلك ، فى التفكير وفى التدبير معا ، صعق لأنه رحل وراحلتى معه ؛ فلطالما انتظرت طويلا تلك اللحظة التى يخبرنى فيها أن طائرته بقى عليها من الوقت أياما أو ساعات ، حتى أتهيأ ، حتى أخرج روحه من جسدى رويدا رويدا ، نزعا خفيفا ، أكتب عنه فتخرج ، ألقى عليه ذكرياتنا فتخرج ، لكن فقده يأبى إلا أن يأتى فجأة ، وها هو قد ذهب ، وآن للذكريات أن تخرج لتبقى ..



فى الحلقات القادمة بإذن الله

المشاهد الأولى - قلم وريشة - همة وهم - مجون ملتزم - لغة وتنمية - أحلام كندية

هناك تعليقان (2):

رفيدة الصفتي يقول...

جمع الله شملكم في القريب العاجل ...

مشاعر صادقة ..

عبرت عنها الكلمات وطُوع لها القلم

حاتم أوس الأنصاري يقول...

كيف تسيل نفسانا على حدود أناملك التدوينية? لا تطاوعنى الأنامل تعليقا إلا عن اللغة والسيناريستية المنسجمة،.. . . . . واعذر اختفاء تعليقى الأصل الذى نويت كتابته عندما انطلق السهم لكلمة "اترك تعليقك" فإن الخطب جد جلل.