الأحد، 17 أغسطس 2008

محمد رفعت .. ( أكشن .. بسم الله ) !


بعد التفتيش وأخذ البطاقات ، والتأكد من أننا لا نحمل لمحمد سلاح نيدو الذرى أو جوابات الجمرة اللئيمة ، دخل ثلاثتنا ( رضوى وأحمد سمير وأنا ) إلى داخل سجن طرة ننتظر سماع اسم رفعت فى قائمة الزيارة التى بدأت تطول قبل أن تقوم رضوى وتحاول أن تسأل هل اسمنا فى الزيارة الأولى أم علينا الانتظار للزيارة الثانية ، وإذ بحنجرة الشاويش تجهش بالصوت : حاضر محمد رفعت .. أيوه حاضر بنصحيه لسه ، وعلى الرغم من أن رضوى عادت بابتسامتها المعهودة إلا أننا بهتنا .. هناك زيارة تنتظرة وهو ما زال يغط فى النوم ، لكن رضوى أزاحت عنا سحابة العجب هذه وقالت : آه زمانه هيقعد يقول منكو لله صحيتونى من النوم .. إيه اللى جابكم بدرى !!!

استسلمنا للأمر الذى لم يطل كثيرا حتى وجدنا أنفسنا فى وسط قاعة تغط ( تزدحم ) بأشكال غريبة من الناس ، عرفنا بعدها أن هؤلاء هم حضرات المجرمين نزلاء السجن ( قتل وسرقة واغتصاب ومخدرات .. إتجار فقط التعاطى ليس جريمة ) ، ومن بين هذه الوجوه التعيسة إذا ببسمة صافية تهل علينا من وجهه الصبوح وزراعان مفتوحان بلاحدود لبطلة العرض اليومى - رضوى - يتبعها أنا وسمير .

جلسنا بين أصوات السجناء والأهل المتعاليه ، ونظرات وآذان المخبرين ، نحاول أن نسترق لحظات ودقائق للحديث فى خصوصية ، لم أكن متأكدا من أن رفعت سيمع كل ما أريد ، لم أكن متأكدا أيضا من أننى سأستطيع سماع كل ما يقصه علينا من مغامراته خلف القضبان ، كل ما كنت متأكد منه أن عيناه بعيدتا المهوى سوف تصحبنى إلى حيث لا أستطيع الكلام ، لذا قررت أن أحدثه بما يقويه لا بما يشجنه ، قلت أخبره بالذى فعلناه مع جيان ( فريق إعلامى يشارك فيه مع بعض زملائه فى كلية الإعلام ) فى يوم التصوير ، قد كان ينتظر هذا اليوم طويلا هو وشلبى ، ولكن كان على الانتظار حتى تفرغ منه رضوى ، لأتذكر أنا خلال هذه الدقائق كيف كان أول يوم تصوير لنا .


برنامج


جئت مبكرا على غير العادة ، بقى على صعود الشيخ عبد الستار المنبر أكثر من ربع ساعة ، وصلت إلى الصف الثانى وهممت بالتكبير ، وإذا بى ألمح - على غير العادة ايضا - محمد رفعت يجلس قبلى فى الصف ، وإذا به - على غير العادة ايضا - يقوم تو ما رآنى مستبشرا ، ويهمس فى أذنى : عايزك بعد الصلاة .

وما الجديد فى هذا ، بعد كل صلاة بالطبع نقف سويا ونتحدث ، لماذا هذه المرة ينبه على ، شىء جلل جعله يقاطع تكبيرتى للإحرام ليخبرنى بذلك ، تقريبا أنا أعرف ما الذى يريده ، ولكن دعنا نرى ، كل هذ الأفكار دارت بخلدى ولم أستطع أن أخشع فى ركعتى تحية المسجد .

بعد الخطبة والصلاة كانت توقعات الموضوع الذى يريد أن يحدثنى به رفعت قد اختمرت فى رأسى ، فبالتأكيد هى فكرة إعلامية وبالتأكيد لها علاقة بالشباب ، وبالتأكيد فيها جدة فى الطرح ، وبالتأكيد قد بدأ يشعر بها مع انتهاءه من سنة كاملة فى كلية الإعلام ومع اقتراب موعد أول إجازة صيف له فى الكلية ، وبالتأكيد .. آه ، هاو هو قد أتى ، ها هو يعاجلنى فى الحديث .

- بص يا أبو خليل أنا كان عندى فكرة

- برنامج

- آه بالضبط عن الشباب وكده ، بس

- بطريقة جديدة

- آه وفريق العمل ، أنت

- أولهم ؟

- لأ وسعت معاك ديه .. تالتهم ، أحمد شلبى ، وأنا وأنت .. هنكون مع بعض بإذن الله فى .. قلب الجامعة

بعد حوالى شهرين وفى أحد أركان الصالة المفتوحة فى الدور الثالث بكلية اقتصاد وعلوم سياسية - حيث مأوى من لا مأوى لهم من نوابغ كلية إعلام ودار علوم وغيرها ممن لا تتسع أماكن كلياتهم لهم - وقف محمد رفعت بجانب كاميرا فيديو صغيرة يقف خلفها أحمد شلبى وعلى بعد أمتار منها أقف أنا فى حالة استعداد لأول تجربة فى أداء نشرة شبابية تخرج للعالم العربى ، ها هو رجل الكاميرا ( أحمد شلبى ) قد ضبط صورته ، وعدل من وضعى أكثر من مرة حتى أخذ الهيئة المرضية عنده ، وها هو المخرج ينظر من بعد ومن قرب ، ثم يقف معتدلا ليأخذ نفسا عميقا قبل أن تنطلق منه " أكشن " ، لكن كلمة أخرى طرقت أذنى غير تلك التى تعودت على سماعها فى الأعمال الدرامية والإعلامية الأخرى ، كلمة سمعتها مرارا فى كل موضع ، وبكل مكان ومجال إلا هنا ، إلا فى موقفنا هذا ، نطق محمد رفعت وقال : 3 .. 2 .. 1 .. بسم الله .

لم تكن مجرد عملية استبدال كلمة " أكشن " بكلمة " بسم الله " عملية لفظية فقط ، ولكنها كانت تعكس عمق ما لدى رفعت من قناعة ورؤية واضحة لتغيير شكل الإعلام لصالح الرؤية الحضارية الإسلامية ، فقد كانت هذه العملية - على رمزيتها - مفتاحا حقيقيا للولوج إلى قلب هذا العالم عند محمد رفعت ورفيق دربه أحمد شلبى .


---

الوقت بدأ ينفذ منا مرت نصف ساعة وأنا صامت لا أتكلم ، ولم يكن المتحدث الأول فى الجلسة هو رضوى أو حتى أحمد سمير بل كان رفعت نفسه ، حيث أخذ يروى علينا يومياته داخل المعتقل ، ومواقفه مع المجرمين والمخبرين والحرامية ، أحيانا كان شراع سفينه يحاول الوصول إلى شواطىء عينى ولكن سرعان ما تأتى الرياح المعاكسة لتبعدها عنى فأصمت ويصمت .

لكننى استطعت أن أخبره بأشياء أخرى ، أخبرته بأن الأمور على ما يرام ، أخبرته بأن يوما آخر من التصوير كنا فيه أنا وشلبى فقط ، لم نكن فى ركن من صالة كلية ، كنا فى استوديو حقيقى نصور خلف " كرومة خضراء " ، يتحامل شلبى على نفسه من قلة النوم ، وما به نوم ، وأتحامل على نفسى من قلة الجوع وما بى جوع ، وتمر ساعة واثنتين وثلاث ، ونفرغ من التصوير .. تنطفىء الإضاءة .. تغلق الكاميرات .. ينصرف المؤدون .. أمسك بيد شلبى ونخرج سويا ، تتلمس أرجلنا الرصيف المؤدى إلى الطريق العام ، نحس باحتياج شديد .. لا إلى النوم .. لا إلى الطعام .. أخبرته أننا كنا فى احتياج شديد فعلا .. لكن إلى .. البكاء ، إلى .. العناق ، إلى طعم الفرحة بنجاح ثلاثتنا .. إليك .. إلى مخرج يسمعنا فى بداية كل مشهد .. 3 .. 2 .. 1 .. بسم الله .

فى الحلقات القادمة بإذن الله
حب - اعتقال - براءة

هناك تعليق واحد:

Mai Essam يقول...

1 ...... 2.......3 ...... بسم الله
بجد الجمله دى هزتنى
ما شاء الله