الأحد، 17 أغسطس 2008

محمد رفعت .. الباشمواعلامى



أدلف إلى الشارع الكائن به منزله فى صباح السادس عشر من أغسطس ، على موعد معه ، ولكن ليس بعد خطوات ودقائق ، ولكن بعد أميال وساعات ، وما إن اقتربت من منزله حتى رأيت ثالثنا الذى لم أكن متأكد من أنه سيرافقنى إليه فى هذا اليوم ، ولكنه كان .. يستقبلنى بوجهه الباش دائما ذو الشعر الأليل ( أى : الشديد السواد كالليل ) الكثيف واللحية الأنيقة الخفيفة والنظارة التى لا تفارق وجهه فتضفى عليه سمتا من الوقار المحبب لنفسى .

لقد تعارفنا أنا و أحمد سمير لأول مرة عندما كنا فى الصف الأول الثانوى فى مدرسة عبد العزيز السيد الثانوية ، ولم تلبث علاقتنا حتى تطورت وأصبح صاحبى الأثير فى هذه المدرسة قبل أن يفصل بيننا علمى علوم وعلمى رياضة ، وفى هذه الأثناء كنت قد بدأت أتردد على زاوية الدكتور عبد الستار فتح الله سعيد وألاحظ محمد رفعت ، ولكن مع أول مرة جاء معى أحمد سمير عرفنى عليه حيث كان له صاحبا من قبل ، وأصبح ثلاثتنا فى تلازم لفترة طويلة .

دارت فى رأسى كل هذه الذكريات عندما رأيته يقف تحت بيت رفعت ينتظرنى ، وما إن انضممت إليه حتى أصبحنا ننتظر نحن الاثنين رضوى رفعت ، التى ما لبثت أن علمت بوصولنا حتى خرجت إلينا تعلو شفتاها بسمة الأمل والتفاؤل التى لم تفارقها منذ اعتقال أخيها ، وتستقر فى عينيها نظرة العزم والثقة بأن الله ناصره ، وتحمل نفسها همة لا تكل من حمل تلك الحقيبة كل يوم وعلى مدار ما يقرب من شهر والذهاب بها إلى حيث يقبع فى سجن " ليمان طرة " ما بين زيارة وطبلية ( إذن لدخول غذاء يومى للمعتقلين ) .

انطلق ثلاثتنا فى السيارة التى كانت تنتظر تحت البيت ، أخذنا نتجاذب أطراف الحديث ، ولا يحدوها إلا أمل واحد أن تكون زيارتنا اليوم هى الزيارة الأخيرة ، أما أنا وسمير فقد أخذنا نتذكر الأيام الخوالى ، خاصة أننا لم نعد نتقابل كثيرا بعدما فرقتنا الكليات بل والجامعات أيضا ، وما أن جائت سيرة الكليات حتى قلت :

- قد كنت أغبطكم لأنكم جميعا ذهبتم إلى عين شمس ، وأنا الوحيد الذى ذهبت إلى القاهرة .

- قد كنت نعم ، ولكنك الآن لا .

- نعم فعلى الرغم من أن رفعت فقط هو الذى حول ، وبعد سنتين أيضا ، إلى أنه قد عدل ما كان من صحبة الباقى ، خاصة مع وجود عبدو بن خلدون وعمرو طموح فى سياسة واقتصاد .

- نعم ، ولكن قد دهشنا فعلا من هذا التحول ، من كان يظن أن رفعت الذى طار من الفرح عندما وصلت أخبار النتيجة إلينا ليلا فى معسكر العريش ، ورفض تماما أن يناديه أحد من ليلتها باسمه مجردا تذكر : اسمى الباشموهندس محمد رفعت يا بنى آدمين .. انت ياد أنا الباشمو .. الباشمو رفعت .

تبادلنا قليل من الضحكات قبل أن أعود لشرودى و أسرح مجددا فى هذه الأيام .


جامعة

لم أصدق عينى عندما رأيت رفعت لأول مرة فى جامعة القاهرة ، تقابلنا هكذا صدفة ، كنا قد تناقشنا من قبل فى موضوع تحويله لإعلام ، وعلى الرغم من أننى كنت متحمسا إلى أقصى درجة لهذا التوجه من قبل أن يدخل هندسة أصلا ، إلى أن يأسا طاغيا كان يخامرنى من أنه لن يستطيع أن يقفز على كل الموانع الطبيعية والصناعية التى الموضوعة أمامه ، فحلمه القديم ، أو فلنقل الحلم الامع والمزيف فى آن لهندسة ، والذى يكسب بريقه ولمعانه من سطوة المجتمع ، ونظريتهم العجيبة فيما يسمى بـ " كليات القمة " وأيضا كونه أمضى سنتين فى كليته هذا ، وأى تحويل سيأخر من سير حياته عامين بأكملهما ، وعامين بالنسبة لأمثاله ليست بالشىء الهين ، أيضا كون والده مهندسا ، وأنا أعلم جيدا شعور الأب المهندس أو الدكتور عندما تظهر نتيجة الثانوية العامة ولا يرقى ابنه إلى طب أو هندسة ، فما بالكم بمن يرغب ابنه عنهما بإرادته ، وهذه نقطة لا تحسب إلى محمد بقدر ما تحسب إلى عمو رفعت فبقدر ما كان معراضا لهذه الخطوة بقدر ما كان فى غاية الاحترام لرغبة ابنه وما رباه عليه من استقلالية فى أخذ الحكم ، ولا أقول استقلالية فى الرأى والفكر ، فإنه فعلا يناقشة ويعارضة ويفكر معه ، ولكن عند اتخاذ القرار يمنحه هذه الثقة الغالية ، التى جعلت من دخوله الإعلام أمرا ممكنا ومن حصوله على امتياز وترتيبه على الدفعة فى أول فصل فيها أمرا محققا .

ولكن بعد فصل واحد من الإعلام بدأ رفعت يعلم أن الكلية ليست اتجا واحد - كما فى هندسة - وأن الدراسة لن تعطيه أكثر مما تعطيه الحركة والممارسة ، كما هو حال كل الكليات ما عدا ما يسمونها بالقمة ،وبدأنا مبكرا نصيغ بعض الأفكار والأطروحات ، ونضع بعض الآمال والطموحات ، وأمده بما تراكم عندى من مجلات وكتب عن الإعلام ، وما خاض قبلنا من الإسلاميين فى هذا المجال ، حيث كنت دائما أرى أن المضمون والمحتوى الرائع لدار العلوم هو صنو للشكل والوسيلة الفاعلة والجذابة لكلية الإعلام ، وإذا أضيف إليهما ومضات الفكر الحضارى والعمل النهضوى المنبعث من اقتصاد وعلوم سياسية يكون قد بلغ الذروة .

---

أخيرا وصلنا إلى طرة ، صحيح أننا وصلنا فى الساعة التاسعة لكنك لا ولن تعلم فى أى ساعة بالضبط ستتمكن من الدخول لرؤية من جئت لزيارته ، التوقعات مفتوحة من ساعة إلى خمس ساعات انتظار هكذا قالت رضوى ، وهكذا بدأت تتفقد الأشياء التى أحضرتها فى الحقيبة قبل أن ندخل ، هذا كتاب طلبه ، وهذا ( الجل ) الذى بدونه لن يبدوا وسيما غدا أمام عرض النيابة ، وهذا ( تايمر المروحة ) يا إلهى قد نسيته ثانية ، وهذا بالطبع الغذاء ، وهذا الخبز المحشى برسائل و جوابات من أصدقائة وزميلاته حيث يمنع للسياسيين الخطرين أمثاله دخول أو خروج أى رسائل لهم !

كنت قد زورت ( أى حضرت وراجعت ) فى نفسى كلاما كثيرا أود قوله لمحمد ، لا أعرف أيذهب كله فى المواساه أم يضيع جله فى الشكوى ، لا أدرى أحاله أفضل ، أم لحالى أرثى ، لم أكن على يقين من أنه يسمع منى كل ما أريد ، أو أننى سأقول كل ما عندى ، لم يكن عندى يقين إلا بشىء واحد ، هو أننى سأرتمى فى أحضانه العميقة ، وتسافر عيناى فى عينيه خارسات الأدمع ، تحكيان فى صمت ما لايباح به هنا ...

فى الحلقات القادمة بإذن الله

برنامج - حب - اعتقال - براءة

هناك 4 تعليقات:

AbdElRaHmaN Ayyash يقول...

رائع
:D و الله انا عرفت رفعت من زمان شوية ، لكن مقابلتوش غير مرة او مرتين في الكلية
:) كليته الجديدة مش القديمة
لكن واضح فعلا انه شخصية مش عادية من كلام كل صحابه
منتظر الباقي يا زعيم :)
دمت بخير
سلام

غير معرف يقول...

جزاك الله خيرا على ذكري فيها ..

ولو إني بجد معملتش مع أخويا غير اللي كنت المفروض اعمله ..

وسعات كمان كنت بحس بالتقصير.. :$

ربنا يتقبل منا ومنكم .. ومنه قبلنا

إن شاء الله

elghazawy يقول...

الاستاذ احمد
من كرامات اعتقال محمد رفعت اني اقرأ لكم ، وحفيفي هذه المقاله ادب رفيع وراقي ، ياريت استطيع اكمل باقي المقالات.
تحياتي اليكم جميعا ، وانشاء الله يخرج محمد ونلتقي يوما ما معه ومعكم
مصطفي الغزاوي

Dua Masatwa يقول...

أأقول اتابعكم صامتة ً والخشية من اضيع َ الطريق بين سطوركم تملأ وجداني

ام اقول اني اتابع وبقايا انفاس تتواجد ها هنا

مدونة " هايلة بجد "

مميزة جدا

سازوركم دوما .. ويسعدوني لو تشرفتوا وزرتوني بمدونتي

ويا ريت لو تكمتب اليوم تدوينة عن القدس .. والاقصى

بما ان اليوم يوم القدس العالمي